يتحدثون عن الهدنة والمجازر مستمرة.. تفاؤل أمريكي-إسرائيلي يصطدم بالدم في غزة
بين الممرات الدبلوماسية المكيفة في واشنطن وتصريحات التفاؤل الحذر، وشوارع غزة التي يملؤها الغبار ورائحة الموت، تتسع الهوة بشكل مأساوي. ففي اليوم الذي أعلن فيه عن تقدم في مفاوضات الهدنة، كانت الطائرات الإسرائيلية تواصل حصد أرواح المدنيين، في مفارقة تلخص حرباً دخلت شهرها الحادي والعشرين، حيث صوت القصف أعلى من همس الدبلوماسيين.
في خطوة قد تمثل اختراقاً طفيفاً في جدار المفاوضات السميك، أعلنت الحركة الفلسطينية المسؤولة عن هجوم 2023، في بيان رسمي، عن موافقتها على إطلاق سراح 10 من الرهائن المحتجزين لديها. ووصفت الحركة موقفها بأنه دليل على "المرونة اللازمة" و"الحرص على إنجاح المساعي الجارية" التي تقودها قطر ومصر والولايات المتحدة في الدوحة.
لكن هذه المرونة جاءت محاطة بسياج من الشروط الجوهرية التي لم تتزحزح عنها. وأكد البيان أن النقاط الأساسية التي تمثل جوهر أي اتفاق دائم لا تزال قيد التفاوض، وهي: "تدفّق المساعدات، وانسحاب الاحتلال من أراضي القطاع، وتوفير ضمانات حقيقية لوقف دائم لإطلاق النار". وبهذا، تضع الحركة الكرة في الملعب الإسرائيلي، مشيرة إلى أن التقدم الحقيقي مرهون بمدى الاستجابة لهذه المطالب الأساسية، وليس فقط بعمليات التبادل الجزئية.
على الجانب الآخر، سادت نبرة من التفاؤل الحذر، غذّتها اللقاءات المكثفة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن. وتحت وطأة ضغوط أمريكية واضحة للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، خرج نتنياهو ليصرح لشبكة "فوكس نيوز" قائلاً: "نعم، أعتقد أننا نقترب من التوصل إلى اتفاق. أعتقد أن هناك فرصة جيدة للتوصل إليه".
هذا التفاؤل لم يكن معزولاً، بل دعمته المؤسسة العسكرية والسياسية في إسرائيل. وزير الخارجية جدعون ساعر أكد من براتيسلافا أن "إسرائيل جادة في رغبتها بالتوصل إلى صفقة". وبدوره، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال إيال زامير، أن العمليات العسكرية هي التي خلقت "الظروف المواتية للمضي في اتفاق"، في رسالة مزدوجة تبرر استمرار الحرب وتفتح الباب في نفس الوقت لإيقافها المؤقت. لكن هذا الموقف يصطدم بتأكيد نتنياهو نفسه على عزم بلاده الاحتفاظ "إلى الأبد" بالسيطرة الأمنية على قطاع غزة، مما يثير شكوكاً حول نوايا إسرائيل الحقيقية بشأن الانسحاب الكامل.
بعيداً عن قاعات الاجتماعات، كانت الحقيقة على أرض غزة تتحدث لغة مختلفة وأكثر قسوة. ففي نفس اليوم الذي سادت فيه نبرة الأمل، أعلن الدفاع المدني عن استشهاد 22 فلسطينياً، بينهم ستة أطفال، في قصف إسرائيلي استهدف مخيم الشاطئ شمالي القطاع.
هذا الرقم لم يكن مجرد إحصائية، بل حكايات مأساوية لعائلات أبيدت. وفي منطقة المواصي جنوباً، حيث يفترض أنها منطقة آمنة، تضررت خيام النازحين مرة أخرى. ومن بين الركام، لخصت سيدة فلسطينية تدعى أم أحمد، الإحساس العام بالإرهاق واليأس قائلة: "نحن متعبون للغاية. يتحدثون يومياً عن وقف إطلاق النار، لكن المجازر مستمرة". وفي المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي عن مقتل أحد جنوده في خان يونس أثناء مواجهة مع مسلحين خرجوا من نفق، في دلالة على أن القتال الضاري لا يزال مستمراً على كافة الجبهات.
رغم التقدم الطفيف، لا تزال المفاوضات في الدوحة تواجه فجوة هائلة في الثقة والأهداف النهائية. فبينما يعرب المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف عن أمله في التوصل لاتفاق "بحلول نهاية الأسبوع" يشمل هدنة مؤقتة لستين يوماً، مقابل تسليم 10 رهائن أحياء وجثث تسعة آخرين، تؤكد قطر، الوسيط الرئيسي، أن النقاشات "تحتاج إلى وقت".
الفجوة تكمن في تعريف "النجاح". فبالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، قد تكون هدنة مؤقتة وتبادل للأسرى بمثابة إنجاز. أما بالنسبة للفصائل الفلسطينية وسكان غزة، فإن أي اتفاق لا يضمن وقفاً دائماً للحرب وعودة الحياة إلى طبيعتها، لا يعدو كونه مجرد استراحة مؤقتة قبل جولة جديدة من العنف، وهو ما يجعل مسار المفاوضات محفوفاً بالشكوك وعرضة للانهيار في أي لحظة.