المعاناة الصحية بين بدر شاكر السياب وألكسندر بوب

السبت 12 يوليو 2025 4:55 ص

يُعَدُّ الشاعرُ العراقيُّ بدر شاكر السياب (1926 – 1964) من أبرزِ الشُّعراء العرب في القرن العشرين، وأحدَ مؤسسي الشعر الحرِّ في الأدب العربي.

وُلد في قريةِ جيكور بالبصرة. فقد والدته في سنِّ السادسة، وترك ذلك أثرًا عميقًا في حياته، فذاق مرارةَ اليُتم طيلة حياته، وفي مرحلةِ طفولته عانى من عُقدةِ المرضِ وضعفِ الجسم.

كان السياب ضئيلًا، ناحلَ الجسم، قصيرَ القامة، ذا ملابسَ فضفاضة. وصفه الدكتور إحسان عباس بقوله:
«غُلامٌ ضاوٍ نحيل كأنَّه قصبة، رُكِّب رأسُه المستدير كحبَّةِ الحنظل، على عنقٍ دقيقة تميل إلى الطول، وعلى جانبي الرأس أذنان كبيرتان، وتحت الجبهة المستعرضة التي تنزل في تحدُّبٍ متدرِّج، أنفٌ كبيرٌ يصرفُكَ عن تأمُّلِه أو تأمُّلِ العينين الصغيرتين العاديتين. على جانبيه فمٌ واسع، تبرز الضبَّةُ العُليا منه، ومن فوقها الشفة بروزًا يجعل انطباقَ الشفتين فوق صَفَّي الأسنان كأنَّه عملٌ اقتساري، وتنظر مرةً أخرى إلى هذا الوجه الحنطي، فتُدرك أنَّ هناك اضطرابًا في التناسُب بين الفكِّ السفلي، الذي يقف عند الذقن كأنَّه بقيةُ علامةِ استفهامٍ مبتورة، وبين الوجنتين الناتئتين، وكأنَّهما بدايتان لعلامتي استفهامٍ أُخريين قد انزلقتا من موضعيهما الطبيعيين».
[بدر شاكر السياب، دراسة في حياته وشعره، 1969، ص 25]

نتيجةَ الفقرِ المُدقع الذي عاشه السياب في صغره، عانى من فقر دمٍ ناتجٍ عن سوء التغذية، كما ساهم مرضُ السلِّ الذي أُصيب به في شبابه في نُحولِ جسده.

في عام 1961، بدأتْ صحةُ السياب في التدهور، حيث بدأ يشعر بثِقَلٍ في الحركة، وازدادت الآلام في أسفلِ ظهره، ثم ظهرتْ بعد ذلك حالةُ الضُّمور في جسده وقدميه، وتم تشخيصُه بمرضِ التصلُّب الجانبيِّ الضُّموري، وظلَّ ينتقل بين بغداد وبيروت وباريس ولندن للعلاج دون فائدة.

فقد السيابُ قدرتَه على الحركةِ والتنقُّل، وعانى من الشلل، مما جعله يشعر بالكآبةِ والحزنِ العميق، وسيطر عليه هاجسُ الموت، وظهرت آثارُ معاناته من المرض في شعره.

يقول السياب:
«آهِ، لعلَّ روحًا في الرياح
هامتْ تمرُّ على المرافئِ أو محطّاتِ القطار
لتُسائلَ الغرباءَ عنِّي
عن غريبٍ أمسِ راح
يمشي على قدمين
وهو اليومَ يزحفُ في انكسار
هيَ روحُ أمي هزَّها الحبُّ العميق
حبُّ الأُموُمة، فهيَ تبكي
آه يا ولدي البعيد عن الديار
ويلَاه! كيفَ تعودُ وحدكَ لا دليلَ ولا رفيق!»
[قصيدة: الباب تُقرعه الرياح، لندن، 13/3/1963]

انتقل السيابُ إلى المستشفى الأميري في دولة الكويت لتلقِّي العلاج، حيث قامت برعايته وأنفقت عليه خلال مدة علاجه، إلا أن المرضَ لم يُمهِلْه، فتُوفِّي عام 1964، عن عمرٍ يُناهز الثامنة والثلاثين. ونُقل إلى قريته جيكور، وشيَّعه عددٌ قليلٌ من أهله وأبناء قريته، ودُفن في مقبرة الحسن البصري بالزبير في البصرة جنوب العراق.

ويُعدُّ الشاعرُ الإنجليزي ألكسندر بوب (1688 – 1744) أحدَ أبرزِ شعراءِ القرن الثامن عشر في إنجلترا، وهو معروفٌ بمهاراته في كتابةِ القصائد الساخرة والأعمال الفلسفية، واشتهر بأبياته الشعرية البطولية، وترجمته لأعمالِ الشاعر الإغريقي هوميروس. وهو ثالثُ كاتب يُقتبس منه في قاموس أكسفورد للاقتباسات، بعد شكسبير وألفريد تنيسون.

عانى بوب من التمييز الديني بسبب انتمائه إلى الكاثوليك، في وقتٍ كان فيه الكاثوليك لا يزالون مضطهدين في إنجلترا. وقد تأثَّر بقانون العقوبات المعمول به آنذاك، والمأخوذ من كنيسة إنجلترا، التي حظرت على الكاثوليك التدريسَ ودخولَ الجامعاتِ والوظائفَ العامة.

كذلك، عانى بوب من مشكلاتٍ صحية عديدة في سن الثانية عشرة، مثل مرض "بوت"، وهو نوعٌ من السلِّ يُصيب العظام، وقد شوَّه بنيته الجسدية، وجعله يتوقف عن النمو، وتركه أحدب. وتسبب مرض السلِّ بمشكلاتٍ صحية أخرى، منها صعوبات في التنفُّس، وحُمَّى شديدة، والتهابُ العيون، وآلامٌ في البطن. ولم يتجاوز طوله 1.37 مترًا. وقد عرَّضه مظهرُه الجسدي للسخرية من أعدائه.

وكان معزولًا عن المجتمع لأنه كاثوليكي، وزادت صحته السيئة من عُزلته، فلم يتزوَّج، لكن كانت له العديد من الصديقات، وكان يكتب لهنَّ رسائلَ ظريفة.

أُصيب بوب بإعاقة جسدية دائمة، وكان أحدبَ الظهر، ويحتاج إلى رعايةٍ صحيةٍ يومية. وغالبًا ما تُعزى طبيعته سريعة الغضب، وعدم شعبيته في الصحافة، إلى ثلاثة عوامل: انتماؤه إلى أقلية دينية، وضعف جسمه، واستبعاده من التعليم الرسمي.

ساهم مرض بوب في تشاؤمه، وسوداوية مزاجه، ووجود النغمة الحزينة في بعض أشعاره. وقد ثقف نفسه إلى حدٍّ كبير، وظهرت براعته في النَّظم مبكرًا في قصائده الرعوية، وتعكس كتاباته روحَ عصره الواثق بنفسه وحضارته وتمدنه. ويمكن ملاحظة الفرق الكبير بين أشعاره الأولى المتفائلة، وأشعاره الأخيرة المتشائمة. وكان شديدَ الاهتمام بجمال الألفاظ، وينظر إلى لغة الشعر على أنها متفوِّقة تسمو على لغة العامة، ولو أدَّى ذلك إلى جعلها لغةً متكلَّفة مليئة بالمبالغات. وكان المتحدثَ بلسان عصره، والناقدَ القاسي له، في آنٍ معًا.

 

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر