السيسي وضع خطوطه الحمراء في سرت فماذا عن ردة فعل الجانب الأخر

الخميس 25 يونيو 2020 5:19 م

بعد تصريحات الرئيس المصري في قاعدة سيدي براني بالقرب من الحدود الليبية ببداية الأسبوع الجاري، والتي أكد فيها على أن مصر لن تسمح بتجاوز الصراع في ليبيا خط "سرت-الجفرة"، بعد الأشارة إلى أن سرت والجفرة بالنسبة لأمن مصر خط أحمر، وأن أي تدخل مباشر لمصر في ليبيا باتت له شرعية دولية، جائت بعدها التحركات في كل عواصم الدول المنخرطة في الملف الليبي، وكانت أبرز وأهم التحركات من فرنسا الولايات المتحدة وتركيا.

فتحركت فرنسا في مسار متوازي مع الجهود المصرية، بعد أن تحول الأمر لفرنسا من منافسة ايطاليا في الميدان الليبي (كما كان الحال عليه في بداية الحرب الليبية) الى صدام مع تركيا في مياة المتوسط، بعد أن جائت حادثة البارجة الفرنسية التي تعرضت لتهديد بالقصف من قبل ثلاث بوارج تركية في مياة المتوسط، أثناء محاولة البارجة الفرنسية إيقاف سفينة تركية مشتبه في نقلها إرهابيين، بعد أن سجلت العملية البحرية "إيرين" فشل أشد من فشل العملية "صوفيا"، فبرغم الحضور العسكري الأوروبي بالمتوسط، إلا أنه لم تسطتع في أي مرة تلك العملية إعتراض أي سفينة تركية.

ثم ذهبت فرنسا لتحييد تونس عن دعمها لتركيا في ليبيا وهو ما تجلى في أول رد فعل إيجابي من الرئيس التونسي عندما أعلن أن بلاده ترفض وجود قواعد اجنبية في الجارة الليبية، وأن شرعية حكومة الوفاق مؤقتة، ويجب أن تحل محلها شرعية جديدة تنبع من إرادة الشعب الليبي.

وهو التصريح الذي جاء كأشارة على تحركات مدير المخابرات التركية ووير الدفاع التركي التى تسابق الزمن لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية وأخرى جوية في غرب ليبيا.

 

وبالجهة المقابلة أجتمع وفد أمريكي بقيادة قائد الأفريكوم الجنرال ستيفين تاونسند والسفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند مع فايز السراج ووزير داخليته فتحي باشاغا، ووكيل وزارة دفاع الوفاق صلاح النمروش، ورئيس أركانه الفريق ركن محمد الشريف، وقائد غرفة العمليات المشتركة اللواء أسامة الجويلي، وقائد المنطقة العسكرية طرابلس لواء عبد الباسط مروان، وقائد المنطقة العسكرية الوسطى  لواء محمد الحداد، وقائد غرفة عمليات سرت-الجفرة العميد إبراهيم بيت المال.

وعقد الأجتماع العسكري بأمتياز في مدينة زوارة بأقصى الغرب الليبي وليس بقصر الضيافة بطرابلس (التى يخشى أي دبلوماسي أو سياسي أمريكي التواجد بها في ظل إنفلات الوضع الأمني بها) كما هو المعتاد، بعد أن تعمد الأمريكي تغيير مكان عقد الأجتماع الذي كان مقرر عقده بطرابلس في الساعات الأخيرة، كي يأتي حضور السراج ومن معه لمدينة زوارة كإستدعاء أمريكي وتلك حقيقة، كما لا يفوتنا أنه أول اجتماع أمريكي مع كافة القيادات العسكرية الفعلية لحكومة الوفاق، وبحضور آمر غرفة عمليات "سرت-الجفرة" العميد إبراهيم بيت المال.

وفي ظل تلك المشاهد المتسارعة في ظرف زمني قصيرا جدا، نلخص رؤيتنا لها في تلك النقاط التالية :

 

أولا : ألحت تركيا بشدة على واشنطن للنزول الى الملعب الليبي بثقلها بحجة مواجهة روسيا التي هي بالأساس إنسحبت من الميدان الليبي، وكان إنسحابها أهم الأسباب الرئيسية في سقوط غرب ليبيا بيد مرتزقتها، ولكن الحقيقة أردوغان يريد من تواجد الأمريكي هناك، خلق صدام مع مصر، كي يكون الصراع في ليبيا مصري أمريكي لا مصري تركي، كحال تحركات إسرائيل الخفية بدول حوض النيل، لكي تكون أي مواجهة قادمة على أرض بنيشنقول-قماز (موقع تشييد سد النهضة) مواجهة بين مصر ودول حوض النيل وأفريقيا جمعاء، وليس بين مصر واثيوبيا فقط، بعد أن بات هناك أردوغان جديد في أثيوبيا أسمه أبي أحمد.

حتى أن تركيا ذهبت لتصعد من حربها ضد مصر بجبهتها الجنوبية، فدعمت أثيوبيا بأطقم فنية جديدة لمتابعة أعمال سد النهاضة، وبمنتصف الأسبوع ضبطت الإستخبارات العسكرية السودانية كميات من الأسحلة والذخائر التركية المهربة من ولاية القضارف شرقي البلاد في طريقها إلى إثيوبيا، وهي الولاية التى تعرضت لعدوان شنه الجيش الاثيوبي، أستشهد على أثره جنود من الجيش السوداني، في تحرك جاء كبالون أختبار جديد للسودان ومن قبلها مصر.

 

ثانيا : مارست تركيا ضغط شديد على فايز السراج نفسه وعلى كافة قيادات حكومة الوفاق العسكرية كي يتجهوا للزحف نحو "سرت-الجفرة" لأطماع أردوغان في الهلال النفطي، وهو ما تجلى في ردود قيادات حكومة الوفاق على كلمة الرئيس المصري بشاشات قنوات قطر وتركيا، والتى جائت موتورة وخارجة عن سياق كل الادابيات السياسية.

فتركيا ليس لديها مشكلة في تنفيذ وقف أطلاق النار في ليبيا، ولكن على أن ينسحب الجيش الوطني الليبي من سرت والجفرة.

 

ثالثا : طلب الولايات المتحدة من السراج التخلص من بعض المليشيات التى تصاعد دخان جرائمها الى عنان السماء، وحينها سيكون وزير الداخلية فتحي باشاغا بطل ذلك المشهد، وهي فرصها كان ينتظرها باشأغا سواء من المخابرات المركزية الأمريكية أو المخابرات الفرنسية للظهور بمظهر الرجل الأول بطرابلس، وحينها سيتدخل ليس لتصفية بعض المليشيات فقط، بل ولتغليب بعضها على الأخرى، على غرار ما حدث بين أسلافهم في سوريا.

ولنا في العراك الدائر بين مليشيات مدينة غريان عبرة، وربما نرى قريبا فتحي باشأغا على رأس مليشيات من مصراتة تقتحم غريان، وفي تصفية بعض المرتزقة مصالح للامريكي ولتحسين صورة حكومة الوفاق أمام العالم.

وهي الخطوة التي أستبقت فيه المخابرات التركية نظيرتها الأمريكية عندما حضر أتراك خصيصا لمحو بصمات جرائم مرتزقتهم في ترهونة وصرمان وصبراتة بعد أن سيطروا عليها.

 

رابعا : فور إنتهاء أجتماع الأمريكي بالوفاق توجه قائد الأفريكوم لتونس، وعقد أجتماع بوزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، فأن كانت مليشيات الوفاق هي جيش تركيا بغرب ليبيا، فتونس تعني محطة الترانزيت لنقل مرتزقتها الى ليبيا، حتى أن موانئ تونس باتت في معجم الغازي كولايات جنوب شرق الأناضول.

وهذا ما يعني أننا سنرى جديد في مسار الحرب الليبية، وننتظر أن كان أجتماع الأمريكي بالسراج وعصابته والذي لم يتخطى الربع ساعة أن كان الغرض منه إقناع السراج بالتخلي عن نعرة التعالي والعند التركية، والتوجه للحوار السياسي للحفاظ على ما كسبه على الأرض، أم ستلعب الولايات المتحدة بنفسها دور تركيا القذر في ليبيا وبشكل مباشر.

ولذلك تأهب الجيش الوطني الليبي بخطة جديدة متكاملة لتأمين المنشآت النفطية أشرف عليها اللواء ناجي المغربي رئيس جهاز حرس المنشآت النفطية، واللواء ونيس بوخماده، وآمر قوات الصاعقة بالقيادة العامة للقوات المسلحة اللواء موسي المعداني، ورئيس غرفة عمليات راس لانوف، وبعدها صرح رئيس البرلمان عقيلة صالح بأن تجاوزت المليشيات الخط الأحمر بسرت لن تتردد ليبيا في إستدعاء مصر للتدخل العسكري.

وهنا لا يفوتنا أنه حتى الأن لم تفتح واشنطن أي خطوط أتصال تذكر مع القاهرة بخصوص ليبيا.

أخيرا وليس أخرا كلمات الرئيس المصري النارية ضد كل من يهدد أمن ووحدة الأراضي الليبية فجرت حالة فى الوطن العربي من الاعتزاز بالنفس وبعروبتنا التى سلبت مننا فى غفلة من الزمن بعد سلسلة إنتكاسات على كافة الاصعدة في كل بلد عربي تقريبا، وعلى القيادة السياسية المصرية استغلال تلك اللحظة لإحياء الهوية المصرية والقومية العربية، ولو كانت العقيدة المصرية حاضرة والقومية العربية ثابتة لما ظهر هذا المد الإخواني المرعب في بلادنا والذي شكل قوة أردوغان الرئيسية ضدنا، وبخطوة مثلها على أرض الميدان ترسم خط أحمر في أذهان أعدائنا تجاه جمهورية مصر العربية، وكي تكون بداية لقرضابية ثانية بأذن الله.

 

فادي عيد وهيب

الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

التعليقات