هل ينتقل الصراع بين أمريكا وروسيا من سوريا الى ليبيا

الاثنين 30 ديسمبر 2019 2:43 م

في يوم 26 نوفمبر الماضي التقى وفد أمريكي رفيع المستوي بالقائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر لبحث وقف القتال في طرابلس، بجانب معرفة ما لدى الرجمة (مقر القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية) مستقبلا فى حال تحرير كامل طرابلس، دون وضوح لموقف أمريكي محدد، أن كانت ستنحاز لحفتر أم لغريمه فايز السراج، وبالتزامن دعت المانيا كل من مصر والامارات لوقف دعم حفتر فى حربه لتحرير طرابلس.

 

والكثير فسر موقف أمريكا حينها بالإنقلاب والتغير فى مواقفها تجاه الملف الليبي، ولكن ما أقدمت عليه واشنطن ليس مفاجئا، فالأمريكي جن جنونه عندما أستشعر الثقل الروسي فى ليبيا مؤخرا، كما أن زيارة الرئيس المصري لأبوظبي بمنتصف نوفمبر الماضي جائت للتباحث مع أقوى حليف للقاهرة في كيفية التعامل مستقبلا مع مستجدات الملف الليبي، بعد أن أتضحت مؤشرات الصراع فى حال تقدم الجيش الليبي لتحرير طرابلس، وشكل المحاور الدولية المتصارعة هناك، وهو ما كان يعد له أيضا أردوغان، ومن هنا جائت زيارة أردوغان لواشنطن ولقائه مع ترامب بنفس التوقيت، وهي الزيارة التى جائت بعدها زيارات وزراء حكومة الفرقاطة المسماه بحكومة الوفاق لواشنطن في مقدمتهم فتحي باش أغا، وبات الكل الان ينتظر ما بعد تصويت البرلمان التركي على التدخل العسكري المباشر في ليبيا، فهي لحظة ستكون ساعة الصفر لشرق المتوسط وشمال أفريقيا، ولذلك يسابق برلمان ليبيا الزمن لحث المجتمع الدولي على سحب الأعتراف بحكومة الوفاق.

 

ولا غريب فى تصرف واشنطن التى لم يعد يعرف لها أحد بوصلة واضحة تجاه الملف الليبي، خاصة بعد نزول روسيا بثقلها هناك، ولكن على أقل تقدير بعد أتصالات الرئيس المصري بنظيره الأمريكي يتضح من المصادر الأمريكية أن واشنطن على الأقل لن تنحاز لفايز السراج، أن لم تصطف بجانب مصر واليونان وقبرص والأتحاد الأوروبي.

فواشنطن هي من منحت الضوء الأخضر لمقاطعة قطر، وهي من تضغط الأن على الدول الخليجية الثلاث للتصالح مع قطر من جديد، كما أنه قرار أنجليزي بأمتياز (سواء وقف تقدم حفتر، أو التصالح مع قطر). 


المهم هو القادم وأي تكتيك سيتبعه الثلاثي السيسي ومحمد بن زايد وماكرون، وهنا أخص أكثر الرئيس المصري دون غيره لان الأمر بالنسبة لمصر أكثر تعقيدا بحكم تشابك الملف الليبي مع أغلب الملفات الأخرى، وبحكم أن ليبيا أمن قومي مباشر لمصر، فنحن أمام خطوة يأما تحرير كامل ليبيا من الأرهاب، أو أن تكون طرابلس "إدلب" مصغرة في ليبيا.

 

فحقيقة الأمر جاء أجتماع الوفد الأمريكي الرفيع مع القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية بنوفمبر الماضي لبحث وقف الإقتتال فى طرابلس، ووافق الجانب الأمريكي على طلب الجانب الليبي في وقف القتال بعد نزع السلاح من كل المليشيات، ولكن الأهم لدى الجانب الامريكي من ذلك اللقاء كان من أجل معرفة والتحقق من ثلاث أمور:

 

أولا معرفة ما لدى الرجمة (مقر القيادة العامة للجيش الليبي) مستقبلا فى حال تم تحرير كامل طرابلس وإنهيار حكومة الوفاق، وما هي الخطوات التى ستقدم عليها، وهل أن كان حفتر يطمح فى ان يكون رئيس ليبيا القادم أم لا.

 

ثانيا للحد من النفوذ الروسي المتصاعد مؤخرا في ليبيا، ومحاولة مساومة حفتر بمنحه أمتيازات للحد من النفوذ الروسي هناك.

 

ثالثا هناك رغبة خفية لدى واشنطن فى تكرار سيناريو الشمال السوري في ليبيا، بعد أن تم وضع مواقع النفط فى شمال سوريا تحت سيطرة جنودها برفقة حلفاء أو بالأدق أتباع واشنطن وصبيانها فى الجزيرة السورية الا وهم الأكراد، فعين التاجر الأمريكي كانت منذ بداية الحرب على سوريا لم تغفل عن إحتياطات نفطها، فما بالكم الحال مع إحتياطات النفط الرهيبة لدي ليبيا.

 

فلدى الولايات المتحدة الأمريكية تخوف شديد من أن تصبح روسيا التى وضعت قدم فى المياة الدافئة بالبحر المتوسط في طرطوس السورية أن تضع الاخرى فى بنغازي ليبيا، كي تكون قدما فى الشام والأخرى فى شمال أفريقيا، قدما بجوار أهم نقطة تقدم لحلف شمال الاطلسي (تركيا) تجاه العدو القديم الجديد، والأخرى شمال ليبيا على بعد مسافة أقل من 400كم من الأسطول الأمريكي السادس في نابولي الأيطالية.

 

وهو الأمر الذى إستدعى رد روسي، بعد أن علق المتحدث بأسم الكرملين دميتري بيسكوف، قائلا: "تتوالى تحذيرات من أن شركات عسكرية ما (ملمحاً الى شركات بلاك ووتر) تعمل في جميع أنحاء العالم وتكاد تحسم مصائر بلدان مختلفة أو تزعزع الإستقرار فيها،  ثم تزعم الولايات المتحدة أن بعض الشركات العسكرية تزعزع الإستقرار في ليبيا، وهنا يمكنني القول بكل بساطة إن هناك دول ليس لها أي حق أصلا في الحديث عن زعزعة إستقرار ليبيا، بعد أن دمروا تلك الدولة فعليا عبر ممارساتهم المخالفة للقانون الدولي، فكل ما تصرح به واشنطن بخصوصنا فى ليبيا هي أخبار كاذبة ومضللة".

 

خلاصة القول أن ليبيا كانت بداية معركة الكبار (الولايات المتحدة وروسيا)، و تذكروا تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء حواره التلفزيونى الذى أجراه يوم 17 ابريل 2014م، عندما قال: "أن العلاقات مع الولايات المتحدة توترت بعد الأحداث فى ليبيا، و ليس بعد أحداث شبه جزيرة القرم"، فليبيا كانت بداية معركة الكبار، وهناك العديد من الأوراق لم تظهر على الساحة بعد، وأن كانت المعركة السورية ترسم خريطة الشام لمئة عام مقبلة، فالحرب الليبية ترسم شكل خريطة شمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء لمئة عام قادمة أيضا، وهنا السؤال بات يطرح مفسه هل الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا سنتقل من سوريا الى ليبيا، أم أن الامور ستختلف وقد يتفق الطرفين على تحرك واحد في ظل جهود مصرية مكثفة لقطع الطريق على تركيا التى تحلم برسم خريطة خلافة الدم من جديد في الشام وشمال أفريقيا، عموما الأسابيع الأولى من العام الجديد ستجيب عن كل الأسئلة.

 

فادي عيد وهيب

الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا

التعليقات